بيان من السيدة هناء أدور؛ رئيسة جمعية الأمل العراقية
بيان من السيدة هناء أدور؛ رئيسة جمعية الأمل العراقية
الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن حول حماية المدنيين في أثناء النزاعات المسلحة
نيويورك ، 22 أيار 2018
السيد الرئيس، أصحاب السعادة، السيدات والسادة
صباح الخير!
أود أن أشكر بولندا التي تترأس مجلس الأمن، لدعوتي للمشاركة في هذه المناقشة.
أعمل منذ 50 عاماً كمدافعة عن حقوق الإنسان والنساء في جميع أنحاء العراق. وفي معظم هذه الفترة، كنت أعمل على حماية المدنيين الذين يعيشون في ظل النزاع وعدم الاستقرار، ومساعدتهم على التعافي في أعقاب العنف، ودعم الجيل القادم من العراقيين على فعل الشيء نفسه. شاركت في تأسيس شبكة النساء العراقيات في عام 2004 وجمعية الأمل العراقية في عام 1992، التي تعمل على إعادة تأهيل البشر بدلاً من الحجر.
جئتكم من بلد الأهوال الذي عانى شعبه لأكثر من ثلاثة عقود من ويلات الحروب والحصار. وعلى مدى السنوات الـ 15 سنة الأخيرة قاسينا الأمريّن من نزاعات مسلحة ومن انفلات الأمن والعنف. وقد ضحى شعبنا بالكثير، وقاسينا جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب، وعانينا من تصفيات جماعية تقدر بعشرات الآلاف، ومورست أبشع جرائم التطهير العرقي والديني ضد المدنيين ولاسيما ضد الإيزيديين، وخاصة العنف الجنسي والاسترقاق الجنسي للنساء والفتيات، وحوالي عشرة مليون نازح، وتدمير شامل للخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس ودور الرعاية الاجتماعية في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديإلى.
كانت عملية تحرير مدينة الموصل ضارية ومكلفة للغاية، وكنت على اتصال يومي مع العوائل والمدافعين عن حقوق الانسان في داخل المدينة المختبئين في السراديب. لقد حدثت العمليات العسكرية في مناطق مأهولة بالسكان، استخدمت فيها المتفجرات ذات القدرة التدميرية الواسعة النطاق، وكان القصف مستمراً متسبباً في تدمير مئات الآلاف من البيوت. لم يكن للناس المختبئين ما يأكلونه، فكانوا يقتاتون على ما يجدونه على الأرض، واجبرت النساء على الولادة لوحدهن بلا أي مساعدة طبية، ولم يكن بامكان الجرحى الوصول بيسر إلى المستشفيات، الأمر الذي أدى إلى وفاة الكثير منهم لعدم قدرتهم على الوصول في الوقت المناسب لانقاذ حياتهم، ومغادرة المدنيين لهذه المناطق أثناء العمليات العسكرية كانت محفوفة بالمخاطر. وتحولت الموصل إلى انقاض وأصبحت مقبرة مفتوحة. لاتوجد بيانات واحصاءات عن عدد القتلى، والآن نحن نسمع بأن الجثث أخذت تطفو على سطح النهر في الموصل.
في ظل هذه الأوضاع الخطرة والمأساوية، برزت مبادرات شبابية تطوعية للمجتمع المدني. وقد سعى الشباب إلى جمع المساعدات الطبية والأدوية والتعاون مع القوات العسكرية لإيصالها للمدنيين. وبرز فريق اختص بانتشال الجثث من الموصل وانقاذها من انتشار الأوبئة. انا اعرف الممرضة سرور التي قتلت اختها على يد داعش، فحولت حزنها وغضبها إلى قيادة هذا الجهد.
في بيت قديم عثر الفريق على غرفة احتوت 150 جثة مكدسة على بعضها – لرجال ونساء وأطفال وكلها مصابة بطلقات بالرأس. وقد أنتشل الفريق حتى وقت قريب 1350 جثة من بينها جثث لمقاتلي داعش. المهمة خطرة فقد تكون بقرب الجثث قنابل وعبوات غير منفجرة ورائحة الجثث تزكم الأنوف. كانوا يجمعون الجثث وينقلونها للمقبرة بدون مرورها بالطب العدلي للتعرف على القتلى والمفقودين. حتى اليوم هناك 3000 بلاغاً لمفقودين مدنيين في المدينة القديمة.
كل هذه الجهود تتطلب دعمكم. يجب علينا انتشال الجثث، وتحديد المفقودين وإعادتهم إلى عائلاتهم. وينبغي العمل على تحرير الإيزيديين المفقودين من النساء والأطفال وارجاعهم إلى بيوتهم. هم والعديد من الأشخاص الذين يعانون من صدمة نفسية عميقة من تجاربهم بأمس الحاجة إلى المزيد من المساعدة – الأمر الذي يتطلب بناء قدرات خاصة داخل العراق لتحسين الخدمات المحلية، بقيادة المنظمات المحلية والسكان المحليين.
يجب أن يتمكن المدنيون الذين عانوا من الوصول إلى العدالة والمساءلة. ان قرار مجلس الأمن الصادر في العام 2017 بشأن مساءلة داعش، والبيان المشترك بشأن الحد والتصدي للعنف الجنسي في النزاع المسلح الموقع في تشرين الأول 2016، تعتبران وثيقتان هامتان، نرحب بهما ونحثكم على دعم تنفيذهما.
إلا ان المساءلة ينبغي أن تكون عن جميع الأضرار التي ارتكبت في العراق من قبل جميع أطراف النزاع. ويجب ألا تقتصر المساءلة على بعض الأشخاص وبعض أنواع الانتهاكات. يستحق جميع المدنيين الإنصاف بسبب معاناتهم، ويجب أن يرتبط هذا بشكل واضح بجهود المصالحة.
لقد عوملت أسر العديد من مقاتلي داعش معاملة سيئة وعُزلت في المخيمات. كثير من الأطفال ليس لديهم أي وثائق قانونية. وتتعامل المنظمات النسائية مع العديد من الحالات التي أُجبِر فيها النساء على الزواج من المقاتلين، وهن الآن أرامل ولديهن أطفال، ولكنهن يفتقرن إلى عقود الزواج وشهادات الولادة. وتتعرض الكثيرات للتهديد بالقتل على أساس “الشرف”. كثيرات منهن معرضات لخطر الانتحار. هؤلاء النساء والأطفال يتحملون وصمة عار كبيرة يجب معالجتها، ويجب أن يشركوا في برامج إعادة التأهيل والمصالحة.
يتعين على السلطات الوطنية ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي العمل مع الجهات المحلية لتحديد حزمة مناسبة تتضمن الحد الأدنى من الدعم والمساعدة للمجتمعات المحلية والاتفاق عليها. كما ان العمل الإنساني والمساعدة على المدى البعيد يجب ان يراعى فيهما معيار الحساسية للصراعات والنوع الاجتماعي لتسهيل التماسك المجتمعي والحد من النزاع، وكذلك معالجة الهيكلية الطويلة الأمد للنزاع التي تبقى عالقة في المجتمعات. كما يجب إشراك جميع السكان- من المجتمع المدني والنساء والشباب والأقليات العرقية والدينية، وأيضاً المجتمعات المتضررة من التطرف. ينبغي أن نبني قدرة المجتمع لحماية المدنيين والإنذار المبكر فيما يخص الصراع، ومعالجة إرث التطرف العنيف. ومن الضروري حماية المدنيين من الأذى من خلال تجنبه في المقام الأول.
في الختام ، جئت إليكم في وقت حاسم لحماية المدنيين في العراق. وتتيح لنا الانتخابات الناجحة، بعد تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، فرصة للمضي قدماً نحو بناء السلام الشامل والعدالة. وضمن هذا الجهد، ينبغي احترام حقوق جميع النساء في المشاركة الكاملة. يجب أن نواصل التركيز على البشر وليس الحجر.
بينما نتطلع نحو مستقبلنا، ما زلت أشعر بالقلق إزاء العديد من المدنيين الآخرين وخاصة في منطقتي، حيث يعيش العديد منهم في مشقة عميقة بسبب الحروب الكثيرة المستمرة، فهم يعيشون بدون حماية في أماكن مثل سوريا واليمن وليبيا وغزة. إنني أتضامن معهم ومع المدنيين الذين يعانون في جميع أنحاء العالم، ونحثكم على بذل كل ما في وسعكم لضمان حمايتهم، بما يتماشى مع التزاماتكم القانونية بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، وكأخوة في الإنسانية.
شكرا لكم!