اخبار ومقالات

وزير التربية.. الرجاء تقديم استقالتك!

وزير التربية.. الرجاء تقديم استقالتك!

 د. محمد الربيعي

أطلب من معالي وزير التربية الدكتور محمد إقبال، ان يقدم استقالته احتراماً للطلبة العراقيين ولأولياء امورهم وللشعب العراقي وذلك لدوره في تراجع العملية التعليمية ولفشله في إنفاذ المدرسة العراقية من كارثة تدهور المرافق والأدوات والمعايير التربوية. 

أطلب من معاليه ان يقدم استقالته لكي يحفظ كرامته وكرامة العراقيين كما يحدث في الدول الديمقراطية وتلك الدول التي يحترم فيها المسؤول رأي الشعب فيه، ويستجيب فيها الى رغباته، فاذا أبى ان يستقيل فاقالته تصبح مطلباً مُلحاً وضرورياً وواجباً على رئيس الوزراء، الاستجابة لهذا المطلب من اجل إيقاف التدهور وتخليص الشعب من الآفة التي استفحلت بالمدرسة العراقية وأدت الى تخلف التعليم والى فقدان ابسط مقومات المدرسة من بنايات وكتب مدرسية ومناهج تعليمية تعلم الطالب ولا تزيد من جهله.

المدرسة يا أيها الوزير المحترم أصبحت مرتعاً للجهل واستشرى العنف والفساد فيها وغاب فيها الحس الأخلاقي وفشلت في بناء روح المسؤولية وحب العمل واتقانه، وحس الإخلاص والأمانة، وبدأت تنتج افرادا مشوهي الشخصية، محبين للعنف، كارهين للمحبة والسلام، وسيئي الأخلاق، وانانيين ولا يقيمون اعتبارا للمصلحة العامة ولا يعني الوطن لهم شيئاً.

الخلل التربوي الذي أصاب مدارسنا في عهدك يا أيها الوزير قد أصاب اخلاق مجتمعنا في مقتل، فانعدمت الضوابط الأخلاقية واصبح معالجة الآفة من اصعب الغايات، وادت مناهج التدريس واساليبه البالية الى فقدان قدرة الطلبة على التعلم فاستشرى الجهل بالتاريخ والجغرافية واللغات والعلوم  وبالمعارف الإنسانية، وحتى درس الدين لم يعد منسجما مع الغايات والمقاصد التي ترمي المدرسة الحديثة الى تحقيقها في المجتمع المعاصر.

في عهدك أيها الوزير كثر الفساد في مفاصل وزارتك وتراجع واقع التعليم نتيجة اهمالها وانشغالها بسرقة الأموال المخصصة لتحسين واقع التعليم، وازدادت معدلات الامية ومدارس الطين، واستمر الطالب بالتعلم كيف يغش في الامتحان ويمعن فيه، وكيف يزدري معلمه ويهينه، وكيف يهرب من الدروس، وكيف يمارس العنف ويتعلم العدوان.. اليست هذه الاسباب كافية للدعوة لاستقالتكم يا معالي الوزير؟  

استقالتك  يا معالي الوزير قد تنقذ المدرسة العراقية من الآثام التي أُبتلت بها من الحفظ والتلقين واجترار المعلومات، فلم يعد للمدرس دور الا النقل الآلي للمعلومات، واصبح التدريس مصيدة للطالب فحضوره الدرس لا يزيد ولا ينقص ولا يضيف جديدا على ما يوفره الكتاب المدرسي. 

لربما لست انت المسؤول الوحيد عن كل هذا التدهور، ولكنه قد تدخل المدرسة العراقية بعد مغادرتك للوزارة عهدا جديدا يتعرف فيه طلبتنا شيئا ما عن حقيقة علمائهم ومفكريهم في التاريخ كابن سينا والرازي وابن رشد وابن الهيثم، وابن حيان والحلاج والتوحيدي والمعري، وعن فلاسفة ومفكري العالم  كديكارت وسبينوزا وكانط وفولتير وهيغل وماركس وفرويد وداروين، وان يتعرفوا عن التحولات العلمية والتكنولوجية والفكرية العالمية وعن العولمة والنظام العالمي الجديد والثورة الرقمية، والعولمة، وصِدام الحضارات، وعن الابداع والابتكار والتفكير النقدي والعمل الجماعي، والبحث والتجريب.

لربما سنشهد بعدك عهدا تتغير فيه الأساليب الامتحانية وينتهي عصر الدور الثالث، وفيه تعتمد أجوبة الأسئلة على التحليل والشرح والنقد، وفيه ينتهي فساد الغش بعد ان أصبحت هذه الآفة سمة من سمات عصركم وجزءا من الممارسة التربوية  بحيث ان الذي لا يمارسها اصبح من الشواذ، وانت و وزارتك تكتفون بالتفرج على المشهد وكأنكم لا تدرون ان حرمة القانون والاخلاق تنتهك بهذا السلوك المخل.

لم تعد بنايات مدارسنا مكاننا وبيئة للتعليم فاكتظاظ الطلاب وحشرهم بأعداد تجاوزت 80 طالباً في غرف لا تتوفر فيها أي شروط آمنة، وتخلو من جميع المواصفات الآدمية، وتتكوم المزابل حولها ولا تصلح حتى مأوى للحيوانات، أصبحت من المشاهد المألوفة مثلما اصبح وقت الدرس اقل من نصف ساعة والدوام ثنائي او ثلاثي !ّ

لقد اخترت يا أيها الوزير تخريب النظام الثانوي وتزيد من معضلة التدريب المهني والتقني خارج اطار الجامعات وذلك بتقسيم المواد الدراسية في الفرع العلمي الى احيائية وتطبيقية بالنسبة للصف الخامس والسادس العلمي، واخبرتنا بانه سيتبع لاحقا قرار بتقسيم الفرع الادبي الى قسمين وبذات الآلية. ووعدتنا بتطبيق نظام 4-4-4 التزويقي بدلا عن 6-3-3 لانه باعتقادك انه حل لازمة الاكتظاظ في المدارس ومشروعك هو حل لازمة التعليم وعدم كفاءته. ألا ترى معي انه اذا فشل اللاعبون والمدرب لا يفيد تغيير الخطط.

اليس من الحس المهني والوطني والشعور بالمسؤولية ان تستقيل طالما فشلت في بناء مدارس ملائمة، وفي توفير الكتب المدرسية، وفي الحفاظ على كرامة الطالب في  بيئة مدرسية صالحة، وفي تحقيق الأهداف المرجوة من التعليم، وفي تخليص التربية من الفساد الإداري والمالي، وفي إعادة بناء النظام التربوي العراقي على أسس احترام حقوق الانسان والطفل وحرية التفكير والعدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي والمساواة وعدم الاقصاء وتوطيد الهوية الوطنية وروح الانتماء وتربية النشئ على قيم الحق والعدالة وحب المعرفة.

لم تسمعنا عندما حذّرنا من تفاقم فساد المدرسين وعدم الإيفاء بمتطلبات مهنتهم واحتماليات انقراض التعليم الحكومي المجاني في الأمد القريب نتيجة فقدان الناس الثقة بالتعليم في المدارس الحكومية، وعندما أكدنا على تخلف مستوى المناهج المدرسية واعتمادها على الحفظ والتلقين، وغياب المواد التي تنمي الحس النقدي للطالب، وتمكنه من أسلوب تفكير وتحليل منطقي، ولم تقرأ ما كتبنا عن ضعف الاهتمام بالتربية الأخلاقية وفي غرس الاخلاق المدنية من سلوك ومواقف وقيم في نفسية الطالب، وعدم قدرة المناهج الدراسية على تنمية شخصية الطالب كفرد يفتخر بالانتماء لمؤسسته سواء كانت مدرسة او دائرة حكومية او مصنع، وكعضو صالح ومنتج في مجتمع ديمقراطي حر، وكمواطن ملتزم بالقوانين.

لقد طرحنا عليك حلول لم نسمع اجاباتك حولها، منها ضرورة اعتماد الدراسة الابتدائية على عمر الطالب (أي انها لابد ان تكون لغاية عمر 11 سنة)، وباستئجار ابنية كما هو الحال مع المدارس الاهلية طالما لا تتوفر بنايات رسمية، وبطباعة الكتب بداخل العراق كبديل لطباعتها في الأردن، وبإستبدال نظام التلقين والحفظ بنظام تعليمي (بيداغوجي) مبني على التفكير النقدي وتعليم الرياضيات والعلوم واللغات، وبالغاء نظام الدرجات (0-10 و 0-100) واستبدالها بنظام الوحدات (أ ب ت ث ج ) وبترك السياسات الحالية في تنويع التعليم الثانوي واعتماد نظام تقسيمه الى “اكاديمي وتقني” فقط، لا غير كما هو الحال في معظم الدول المتقدمة ومنها سنغافورة وفنلندا. وطرحنا عليك فكرة الاهتمام بتعليم النشء، وترك أسلوب قبول الطلبة في الجامعات لوزارة التعليم العالي، والجامعات نفسها لأنها الأفضل في اختيار وتوزيع الطلبة على الاختصاصات.

لتفادي انهيار التعليم المدرسي بالكامل ليس امامك معالي الوزير الا خيار واحد يتمثل بالاستقالة وذلك من اجل وقف نزيف الانحطاط والتدهور السريع في مستويات المعرفة ومن اجل البدء ببرنامج إصلاحي، لا تقدر عليه انت، ليكون ضمانة لتحصين المواطن والمجتمع من افات الجهل والإرهاب والفساد، وتفشي الخرافات، ومن نزعات التطرف .

انتظر استقالتك أيها الوزير احتراماً للرأي العام ولكي تُثبت فيها حبك لهذا الوطن وستحظى باحترامي واحترام التربويين والمفكرين والعلماء.
(الاراء الواردة في المقالات لاتعبر بالضرورة عن رأي الجمعية وانما تعبر عن رأي الكاتب)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى