ضياع الحقوق المكتسبة جراء مشروع قانون الأحوال الشخصية
ضياع الحقوق المكتسبة جراء مشروع قانون الأحوال الشخصية
هادي عزيز علي
المشروع المزمع تشريعه لقانون الأحوال الشخصية يؤدي إلى اهدار حقوق المرأة التي حصلت عليها خلال مدة زمنية تزيد على النصف قرن واصبحت حقوقا مكتسبة، فهذا التعديل يؤدي إلى فقدان المرأة حقوقها ويعيدها إلى عصر الحريم، وهذا هو هدف الدافعين للمشروع من أجل تشريعه مع حماس ملفت لتمريره، ونأتي هنا على أهم الحقوق التي يهدرها المشروع المذكور، وعلى الوجه الاتي :
أولاً – امتداد الولاية على البنت البالغة الرشيدة البكر
في قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل يعد عقد الزواج عقداً رضائياً المتمثل في ايجاب من احد طرفيه وقبول من الطرف الآخر، وهذا ما تضمنته المادة الرابعة من القانون. أما شروطه القانونية فهي اتحاد مجلس الإيجاب والقبول وسماع كل من العاقدين كلام الآخر وشهادة شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية، المادة السادسة منه .
اما التعديل المقترح فلا يعتبر عقد الزواج رضائياً، لأن البنت البالغة الرشيدة البكر ومهما بلغت من العلم او الرفعة المهنية أو الوظيفية فيحق لها أن تتزوج بشرط أذن الأب أو الجد لأب في حالة غياب الأب، ان حقها في اختيار شريك حياتها لا يتم الا من خلال الولي عليها المذكورين أعلاه. وهذا يعني ان التعديل يحرمها حرية اختيار شريك حياتها الممنوحة لها قانوناً، فضلاً عن كونه يخالف أحكام المادة 16/1/ب من اتفاقية سيداو التي منحت نفس الحق في اختيار الزوج، وان لا ينعقد الزواج إلا برضاها، وهذا يعني ان التعديل يعامل البنت البالغة الرشيدة معاملة الطفل أو فاقد الأهلية من حيث الولاية. وهذا يعني أيضاً عدم المساواة بين الرجل والمرأة في ابرام عقد الزواج. وبذلك يشكل التعديل مخالفة لأحكام المادة 14 من الدستور التي تنص على: (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس … ) .
ثانياً – لا ترث الزوجة من زوجها من الأراضي
في مشروع التعديل وحسب أحكام المذهب الجعفري فإن الزوجة تحرم من أرث زوجها من الأراضي التي يتركها كتركة، خلافاً لقانون الأحوال الشخصية الذي منحها حق أرث الأراضي. ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي: إذا توفى زوج وترك أرضاً مغروسة بالأشجار، فإن الزوجة ترث في الأشجار فقط ولا ترث حصتها من الأرض، ليس هذا فحسب، بل ان الورثة يستطيعون أن يقدروا قيمة المغروسات ويعطوها حصتها ويخرجوها من القسام الشرعي، في حين ان الزوج يرث زوجته في جميع ما تترك من أموال منقولة أو غير منقولة، وهذا تمييز واضح ضد الزوجة لا ينسجم والمادة 14 من الدستور المشار اليها أعلاه .
ثالثاً – تهديد حضانة الأم لأطفالها
في قانون الأحوال الشخصية: الأم أحق بتربية وحضانة ولدها حال قيام الزوجية أو بعد الفرقة … المادة 57 من القانون، واستناداً لهذا النص فقد استقرت أحكام محكمة التمييز على ان الأم هي الأصلح لحضانة الأطفال ما دامت محتفظة بشروط الحضانة حال قيام الزوجية أو بعد الفرقة، ولما كانت الحضانة تدور وجوداً وعدما مع مصلحة المحضون، فان الاستقرار القضائي المستند إلى حكم الفقرة 2 من المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية استقر على عدم سقوط حضانة الأم بالطلاق من زوجها، وان تزوجت من الغير بعد الطلاق. إلا ان مشروع التعديل وحسب الآراء الفقهية، يجعل المحضون نهباً بين الأب والجد لأب أو الجدة لأب، مما يؤثر سلباً على سلوك المحضون وتربيته واستقراره النفسي، فضلاً عن حرمانه من الارتواء من حنان الأم .
رابعاً – بموجب التعديل فان عقد الزواج مجرد عقد استمتاع
عرف قانون الأحوال الشخصية عقد الزواج بأنه: (عقد بين رجل وأمرة تحل له شرعاً غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل)- المادة الثالثة منه. أما في كردستان، فقد ذهب إلى تعريف أفضل عندما عرّف عقد الزواج بأنه: (عقد تراضي بين رجل وامرأة يحل به كل منهما للآخر شرعاً غايته تكوين أسرة على أسس المودة والرحمة والمسؤولية المشتركة طبقاً لأحكام هذا القانون). فهذا التعريف والذي قبله يؤكدان على ان عقد الزواج هو عقد رضائي، من أهدافه تأسيس الأسرة وهي االخلية التي يتأسس عليها المجتمع، في حين ان مذاهب الفقه الإسلامي وعلى تعدد مذاهبه يعرّف عقد الزواج بأنه عقد استمتاع، أي أنه يحصر وظيفته في الفعل الجنسي. ويؤكد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري السابق لهذا التعديل، وفي المادة 101 من ذلك المشروع (مشروع الفضيلة)، على ان: (حق الزوج على الزوجة أمران الأول أن تمكنه من نفسها للمقاربة ولغيرها من الاستمتاعات الأخرى الثابتة له بموجب العقد في أي وقت يشاء … ولا تفعل أي فعل ينافي حقه في الاستمتاع). وهكذا يحيلنا التعديل إلى الرؤية الذكورية السائدة في العصور الغابرة مشرعنا لدونية المرأة واذلالها .
خامساً – حرمة الزواج من غير المسلمة
تذهب بعض الآراء في الفقه الجعفري إلى حرمة زواج المسلم من غير المسلمة، أي حرمة زواج المسلم من المسيحية على سبيل المثال، وهذا ما نص عليه مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري المقدم من قبل حزب الفضيلة، إذ نصت المادة 63 منه على: (لا يصح نكاح المسلم نكاحاً دائمياً من غير المسلمة مطلقاً … )، وهذا التوجه يخالف أحكام المادة السابعة عشرة من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل التي تنص على: (يصح للمسلم أن يتزوج من كتابية …)، اذ وبموجب هذا النص فقد استقرت الأحكام القضائية لمحكمة التمييز على تطبيق هذا النص ولمدة تزيد على النصف قرن، فضلاً عن الكثير من الفقهاء المسلمين يجيز ذلك الزواج، لا بل ان جانباً من الفقه الجعفري في لبنان يجيز ذلك خاصة في كتابات محمد جواد مغنية والراحل محمد حسين فضل الله، كما لا يغيب عن البال ان الرسول الكريم قد تزوج بماريا القبطية، وما وظيفة هذا النص المشار اليه أعلاه إلا تأكيد للطائفية ومغادرة المواطنة لصالح الهوية الجزئية .
سادسا – الاقرار بالنسب لمجهول النسب
نظم قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 في الفصل الأول من الباب السادس أحكام الاقرار بالنسب لمجهول النسب. إذ نصت المادة الثانية والخمسون على: (الاقرار بالبنوة – ولو في مرض الموت – لمجهول النسب يثبت به نسب المقر له إذا كان يولد مثله لمثله)، كما ان قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 قد نص في الفصل الخامس منه على: (للزوجين ان يتقدما بطلب مشترك لضم صغير يتيم الأبوين أو مجهول النسب اليهما وعلى محكمة الأحداث قبل ان تصدر قرارها بالضم ان تتحقق من ان طالبي الضم عراقيان ومعروفان بحسن السيرة وعاقلان وسالمان من الأمراض المعدية وقادران على اعالة الصغير وتربيته وان يتوفر فيهما حسن النية). وقد لاحظنا ان جانباً من الفقه الجعفري يمنع هذا الضم أو الاقرار بالنسب لمجهول النسب على اعتبار انه (تبني) خلافاً لما استقرت عليه التشريعات العراقية والتطبيقات القضائية، وهو استهداف واضح للطفولة المتوجه إلى منع هذه الفئة منهم من إيجاد مكان آمن. هذا مع العلم ان هناك اختلافاً واضحاً بين التبني والاقرار بالنسب لمجهول النسب .
سابعاً – الغاء التفريق القضائي
اعتمد الفصل الثاني من الباب الرابع من قانون الأحوال الشخصية الوارد تحت عنوان التفريق القضائي، وهو الذي نص على: (لكل من الزوجين طلب التفريق عند توافر شروطه وهي الاضرار من احد الزوجين بحق الزوج الاخر او حق الزوجة بطلب التفريق اذا حكم على زوجها بعقوبة مقيدة للحرية او اذا هجر الزوج زوجته سنتين فاكثر او اذا لم يطلب الزوج زوجته غير المدخول بها للزفاف لمدة سنتين من تاريخ العقد)، وسواها من الأسباب الأخرى. اذ ان المشرع أعطى الحق للزوجة في طلب التفريق للأسباب المذكورة وهي مبادرة من المشرع لفرض التوازن مع حق الزوج في الطلاق، اذ ان هذا الحق سوف يلغى لأن المذهب الجعفري لا يقر بالتفريق من الوجهة الفقهية، وبذلك تفقد الزوجة واحداً من أهم الحقوق الواردة في القانون .
ثامناً – لا تعويض للزوجة عن الطلاق التعسفي ولا حق لها في السكن بعد الطلاق
للزوجة بموجب قانون الأحوال الشخصية ان تحصل على تعويض إذا طلقت من قبل زوجها بشكل متعسف. كما ان للزوجة المطلقة ان تسكن في دار الزوجية بعد الطلاق بدلاً من أن تتشرد بعد وقوع الطلاق، وهما من الحقوق المكتسبة للزوجة كجبر للضرر الذي تعرضت اليه جراء تصرف الزوج. فبموجب المشروع المقترح لا تعويض للمطلقة وان وقع الطلاق بشكل متعسف، لأن المبدأ الفقهي هنا ينص على (الجواز الشرعي ينافي الضمان)، والطلاق بالنسبة لهم حق شرعي للزوج، وذات التبرير ينسحب على سكن المطلقة .
تاسعاً – حصة الزوجة من تركة زوجها في دار السكن
إذا توفى الزوج وليس له ورثة سوى زوجته وكانت تركته دار السكن فقط، فحسب الأحكام الشرعية تأخذ الزوجة فرضها من الأرث، والباقي يذهب إلى بيت المال الذي هو أمانة بغداد أو المحافظات. إلا أن القرار رقم 1170 لسنة 1977 نص على ان الزوجة ترث الدار كاملة إذا كانت دار السكن هي التركة الوحيدة لزوجها المتوفى. وبموجب المشروع يلغى هذا القرار ويعود بيت المال شريكاً للزوجة في ملكية دار السكن لأن هذا ما تقضي به المذاهب الاسلامية، إذ يستحوذ بيت المال على حصة الأسد في تلك الدار.