اخبار ومقالات

من البصرة الى بغداد، خطوات نحو المصالحة الوطنية

من البصرة الى بغداد، خطوات نحو المصالحة الوطنية



الخميس، 02 شباط، 2017: “كان حلمي دائماً أن أكونَ لاعب كرة سلة”، كلمات رددها حسن ماهر. ولد حسن وفي قلبه يأس من الحياة بسبب عوق ولادي منعه من التفكير بأن يكون مثل بقية الشباب. لكن الحقيقة كانت العكس، حسن ذو 21 عاماً من محافظة ذي قار لم يكن يعلم في البداية انه سيكون مختلفاً عن البقية، ليس من ناحية العوق وانما من ناحية النجاح. كان الجميع ينعته بال “خطية”، اي المسكين لانه لم يستطع ان يمارس هوايته المفضلة ألا وهي كرة السلة بسبب فقدانه احدى قدميه ولادياً.

“المجتمع لم يكن سهلاً معي، كان أصدقائي يجرحون كرامتي وينتقصون من قيمتي أمام اخي التوأم الذي لم يعاني من اي عوق ولادي ولا غيره، كنت دائماً الشخص الذي يقف في منتصف طريق كل شيء. في عام 2010 بدأت بلعب كرة السلة على كرسي متحرك، كان صعباً في البداية ولكني لم أستسلم. أعتبرتها حبيبتي التي لم أستغني عنها يوماً وحتى حبيبتي الحقيقية اضطرت لمحاربة اهلها من أجلي. كانوا يرفضوني بسبب عوقي. انطفأت الحياة في عيني وخذلتني لأنها كانت تبعدني عن احلامي وتعطي القوة لغيري الى ان شاركت بفريق تطوعي في مدينتي الناصرية عام 2015 مع مجموعة شباب لم اكن أعرفهم لكنهم اصبحوا اصدقائي فيما بعد. فقط عندها بدأت تدب الحياة في قلبي من جديد عندما كنت أساعد يتيماً أو فقيراً. حينها ادركت بأن لدي القوة لأكمال مسيرتي في الحياة. أكملت’ دراستي وحصلت’ على وظيفة وعدت من جديد لممارسة هوايتي في كرة السلة وحصلت’ على عدة ميداليات”.

بعد نجاحهِ وربحهِ المعركة مع ذاته وأمام المجتمع المحيط بهِ؛ تلك اللحظة أو الفرصة التي لطالما انتظرها حسن استغلها لإيصال قصته لكل شابٍ مكافحٍ أراد أن ينجح في الحياة. ثم إنطلق نحو ما هو أهم – كيف بإمكانه المساهمة في مستقبل بلاده من خلال مؤتمر “العراق: شباب وتعايش” .

“جاء المؤتمر في وقته. كنت متلهفاً جداً للمشاركة لأني مدرك بإن صوتي وقصتي ستعطيني القوة لمساعدة الاخرين، من البصرة، الفيحاء انطلاقة بداية مستقبل جديد، هكذا رأيت المستقبل أمامي” هذا ماقاله حسن.

لسنوات عديدة عانى العراق من وضع امني متدهور ونظرة لمستقبل ملأها التشاؤم من قبل الشباب العراقي الذي يكون النسبة الاكبر من المجتمع, ربما اكثر من %60 من المكون العراقي.

هذا المؤتمر الذي نظمته بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق بالتعاون مع جمعية الامل العراقية هو الأول لتقريب الشباب في خطوة اولى للمصالحة الوطنية وزجهم في تلك العملية ودورهم في مستقبل العراق وفي مرحلة ما بعد الصراع. انطلق المشروع في يوم الثامن والعشرين من كانون الثاني 2017 . وسيلي المؤتمر الذي أقيم في مدينة البصرة ثماني مؤتمرات مشابهة في عدة محافظات من ضمنها صلاح الدين واربيل والسليمانية وكركوك وديالى والنجف وتتويجها في بغداد حيث سيعقد المؤتمر الوطني في شهر ايار القادم والذي سيناقش مختلف التوصيات التي طرحها الشباب المشاركين في المؤتمرات وأعلانها كمبادرة من الشباب للمساهمة في المصالحة الوطنية وبناء مستقبل العراق.

أراد حسن أن يوصل صوته وكان المؤتمر في مدينة البصرة هو الانطلاقة حيث التقى بحوالي 120 شاباً من محافظات الجنوب من مختلف الخلفيات والديانات، لكن هناك شيء واحد يجمعهم ألا وهو أن جميعم عراقيين.

بحضور أكثر من 62 شاب و53 شابة من أربع محافظات في الجنوب بما فيها ميسان وذي قار والمثنى والبصرة، أفتتح نائب ممثل الامين العام للأمم المتحدة في العراق، السيد جورجي بوستين، المؤتمر بكلمة يشجع فيها الشباب العراقي على المبادرة في طرح افكارهم والمشاركة الفاعلة في عملية المصالحة الوطنية حيث يعد “المصالحة الوطنية وإرساء التعايش السلمي الأهلي والمجتمعي هي من المهمات الأساسية للأمم المتحدة في العراق. فالتعايش السلمي هو الركيزة الأساسية في الوحدة الوطنية للشعوب، وتمثل الاساس الذي ينطلق منه ازدهار البلدان وتنميتها وتقدمها وتقدم حضاراتها ورخاء شعوبها”.

وعقب الجلسة الافتتاحية، انقسم المشاركون إلى خمس مجموعات عمل للمناقشة والرد على الأسئلة بشأن ما يودون رؤيته في عراق المستقبل. وكيف يمكن لهم أن يسهموا في ذلك. وفي نهاية المنتدى في البصرة، ناقش المشاركون ردودهم، ووضعوا مجموعة من التوصيات واختاروا ممثليهم للمؤتمر الوطني للشباب في بغداد. وكانت توصيات مؤتمر البصرة متشعبة ومتعلقة بتعزيز سيادة القانون ومؤسسات الدولة، والسيطرة على الأسلحة، فضلا عن غرس روح التسامح في المجتمع من خلال إصلاح المناهج الدراسية.

من خلال تجوالنا بين المشاركين الشباب، كان لهم الرأي الاهم في موضوع المصالحة الوطنية والتعايش حيث قال الشاب حسام الخميسي ذو ال 27 عاماً وهو يحمل شهادة الاعدادية من سكنة البصرة: “الأفكار التي تم طرحها من خلال الشباب وتمت مناقشتها والحلول المطروحة كذلك كانت مفيدة جداً. حالياً التغيير صعب لكن ليس من المستحيلات وبحاجة للصبر والتدريب بسبب النقص في خبرة الشباب في مجال مشاركتهم في المصالحة الوطنية”.

في حين أن ذكرى كاصد، ربة بيت ايضاً من البصرة، كان لها رأياً آخر: “فكرة المؤتمر بحد ذاتها هي جيدة وكانت مجموعتنا تناقش مسألة داعش وكيفية التخلص منه من خلال المصالحة الوطنية، ونحن نأمل أن يغير الشباب شيئاً ولو بسيطاً في تطور البلد”.

مهيمن عبد الخالق، 21 عاماً تحدث عن امنيته في ان تساهم مخرجات هذا المؤتمر في نبذ الطائفية وكذلك نزع السلاح وحصره بيد الدولة وترك الخلافات والنقاشات الطائفية الحساسة.

سناء كريم
صور: حسن ماهر

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى