هل يكفي الاعتذار لهن ؟؟؟؟
هل يكفي الاعتذار لهن ؟؟؟؟
عماد جاسم
تمر هذه الأيام مناسبة حملة مناهضة العنف ضد النساء التي تمتد لست عشرة يوماً، يحتفل فيه كل العالم عبر ندوات وبيانات وأنشطة ثقافية تعبيراً عن حالة الرفض الجماعية المتحضرة لكل أنواع التمييز ، ولكل أساليب العنف الموجه ضد النساء. ولأن أكثر وأهم أشكال العنف انتشارا هو العنف الذكوري، لابد لنا قبل كل شيء وقبل التبجح بتحضرنا وتفتحنا ونضوجنا المعرفي أن نجلس على كرسي الاعتراف ونواجه ذواتنا أمام مرآة الضمير. هل خرجنا فعلا من قافلة المنتهكين لحقوقها، هل استثمرنا قراءتنا وثقافتنا في تجسيد فكرة التحضر والمدنية الحقيقية، ام اكتفينا بتكرار نشيد الإدانة في محافلنا ومهرجاناتنا ؟؟؟
سؤال قد يبدو ساذجاً ومكرراً لكنه ضروري، بل هو أساس الانطلاق لفهم جذورنا البدوية ونرجسيتنا العالية، وبالتالي ازدواجية معاييرنا. نحن الذين نملئ أدراج ورفوف مكتبات بيوتنا بأروع وأهم المؤلفات عن القيم الإنسانية النبيلة، والشعور المبدئي بالمسؤولية وبأهمية المشاركة وقيم التمدن، لكن إدراك معنى المساواة والمشاركة المجتمعية يتطلب فعلاً يومياً متحضراً يتجاوز ثقافة التنظيرات المجانية، وينبع من طبيعة الإيمان بقضية حرية المرآة، ومسؤوليتنا المجتمعية وسعي المثقف بأن يكون مساهماً جاداً وعضوياً في التأسيس لفكرة فرض بيئة مثالية لانتشار تلك القيم بروح عالية من نكرات الذات .
لا أنكر أنني بدأت فعلا بعملية التطهير الذاتي لما اقترفته من ذنوب على مر رحلة العمر الطويلة، مستذكرا جلسات والدتي على بوابة المدرسة الابتدائية، كي تلفني بعباءتها خشية ان تلفحني رياح البرد، وأنا المتمرد والمشتكي من فعلتها مستنكراً ومعيباً عليها ذلك الحنان المفرط الذي قد يؤثر على صورتي أمام أصحابي. ويستمر مسلسل فرض ذكوريتنا، اذ لا أنسى وصايتي الساذجة على تصرفات أخواتي البريئة بحجة معرفتي وحرصي على إتباع التقاليد والأعراف بمنعهن من الخروج من البيت، بينما أمنح لنفسي مثلما يمنحني المجتمع فرص التباهي بذكورتي عبر علاقات حب مجانية ومشاكسات معيبة. وقد لا ينتهي المطاف بحماقتنا مع شريكات حياتنا في حرصنا مزاولة نفس الدور التمثيلي اليومي المعروف والمتمثل بالتذكير إننا سادة البيت، وان صراخنا وغضبنا المفتعل تجسيد لرجولتنا، وان غيابنا عن المنزل واستسلامهن برضوخ بين جداران هذا المنزل هو الواقع الذي لابد أن ترتضيه تلك الزوجة المسكينة …
ويبدو ان هذا السيناريو مرسوم بإرادة مجتمع محكوم بعقلية البداوة التي تحكم سيطرتها على معاشرتنا لأخواتنا وأمهاتنا وزوجاتنا، وتبتكر أساليب تجددها، بل وتتوارثها الأجيال لتكون محط فخر وتباهي ..
ترى وبعد هذا الاعتراف، كيف لنا ان نختار كلمات الاعتذار لنصفنا الذي شاركنا همومنا وخيباتنا وحماقاتنا، ونحن نقابله بالتجني وتجاهل روعة تضحيته وإنسانيته ..
اعتقد ان أجمل اعتذار هو البدء بتغيير الصورة النمطية بتعاملاتنا اليومية تجاه نسائنا، ومواجهة تلك النظرة المجتمعية الساذجة والقاصرة بتنمية وتطوير قابليات المقاومة لكل أساليب التمييز التي تعمق حالة التراجع المجتمعي وتعود به إلى حياة الرجعية والاستبداد ..