العنف المعنوي والقانون
لا تقتصر اشكال العنف على العنف الملموس والمحسوس والذي يترك اثرا على الضحية كالأذى الجسدي او الجنسي وانما هناك عنف يعد من اصعب واخطر اشكال العنف الا وهو العنف النفسي أو المعنوي وحسب رأينا المتواضع تبرز خطورة وبشاعة هذا العنف من كونه غير محسوس ويترك اثارا نفسية مدمرة بالغة الجسامة واقلها اثارة للاهتمام ولا عقاب على مرتكبها في اغلب صوره واختص بالذكر في هذا الموضوع الى العنف المعنوي الشائع الموجه على النساء باعتبارهم الاضعف في مجتمعنا بسبب الثقافة الذكورية التي تربى الرجل عليها والنظرة الدونية الموجهة لهن وتبعية المرأة وانطباعها الخاطئ وظنها انها اقل ذكاءً وقدرة ومعرفة على ادارة شؤونها وهيمنة الرجل الذي يعتبرها في الغالب شماعة لكل خطا .وهذا النوع من العنف الموجه على النساء يكون حسب ما هو شائع اما من الزوج او الاب او الاخ و بحجج التوجيه والنصح او الحرص عليهم او حمايتهم فمن خلال عملي في المحاماة وفي مركز الامل للإرشاد الاسري التابع لجمعية الامل العراقية صادفت والتقيت الكثير من الحالات التي باتت تعتبر العنف المعنوي جزءا طبيعيا من حياتها وغير مباليات بالأثار النفسية البالغة الخطورة التي قد تستمر معها فيما بعد واهمها المتعلقة بوضعها النفسي وفقدان الثقة بالنفس .والقلق والاكتئاب المزمن واليأس والعزلة والغضب اوقد يكون سببا لتعريضها لذلك وكيف ستعكس ذلك على تربيتها لأطفالها وعملها….فبالرغم من ان قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969جرم بعض صور العنف المعنوي كالتهديد والقذف والسب في احكامه وفق المواد 432و433و434 منه الا ان شكاوى النساء وفقا لاحكام هذه المواد القانونية تكاد تكون معدومة ولا تلجا الى المحاكم واقامة الشكوى الا في حالة وقوع عنف مادي عليها (الاذى الجسدي) فهي تنتظر عنفا اقوى حتى تلجأ للشكوى مع ان كثير من الحالات التي تتعرض للعنف المادي لا تبلغ عن الفاعل الاصلي وانما تذكر انه كان حادث عرضي او قضاء وقدر بحجة الخوف على تماسك الاسرة والاصلاح ؟؟.فمنهن من تصبر وتظن ان الله سيكرم تصرفها اما بإيقاف العنف او بإعطائها القوة لتتحمل …… فغالبيتهن يعتبرن النوع من العنف المعنوي او النفسي او العاطفي هو جزءا من الحياة وامر طبيعي وليس عنفا ؟ وحتى ان منهن من تعتبره جزء من العادات والاعراف العشائرية ومباح وفقا للشريعة الاسلامية الغراء حسب اعتقادهن ..وهذا بطبيعة الحال امرا منافيا للحقيقة والواقع لان الشريعة الاسلامية جاءت تحمل بأحكامها كما هائلا من المبادئ الانسانية والرحمة والعطف والمغفرة والمودة والتسامح ولا تقبل الذل والهوان وانتقاص من الكرامة لأياً منا سواء اكان ذكرا ام انثى ولا ولم ولن تقبل اي انتهاك يمس بكرامة المرأة اطلاقا… وهنا لابد من الاشارة الى ان قانون العقوبات العراقي اعلاه لا يعاقب مرتكب جرائم الاهمال او الاحتقار او الاستهزاء والسخرية والاستهانة بالعواطف وسوء المعاملة والاجبار على ترك الدراسة والعزل عن العالم الخارجي او الابعاد عن الاهل او الصديقات وما لذلك العنف من اثر بالغ على صحتها النفسية لا بل ان قانون العقوبات العراقي ذهب اكثر من ذلك وسمح للزوج بتأديب زوجته وبناته وذلك وفقا لاحكام المادة 41 منه عندما اباح تأديب الزوج لزوجته تأديبا وفقا لما هو محددا في الشرع والقانون والعرف ؟ كما ان كثيرا من الاباء تحرم الاناث من الارث حيال حياتهم بعد ان يهبوا جميع اموالهم لأولادهم من الذكور وتسجيل ذلك في دائرة التسجيل العقاري .لانهم من سيحمل اسمائهم من بعدهم او انهم الاحق بالمال لانهم ذكور ؟؟ وغير مبالين ببناتهم وما سيحمل القدر لهن فيما بعد. وهذا اسلوب وطريق قانوني للتمييز لا غبار عليه ولا يمكن الطعن فيه ..واتمنى هنا وقفة للمشرع والالتفات لهذه الانتهاكات بحقوق النساء والاسراع بتشريع قانون لمناهضة العنف بكل انواعه واشكاله واخص بالذكر العنف الاسري .. و لابد من الاشارة الى دور منظمات المجتمع المدني في ايجاد حلول لنبذ العنف وتعريف النساء بحقوقهن ورفع معنوياتهم والثقة بالنفس للمطالبة بحقوقها وقد تبنت جمعية الامل العراقية انشاء خمسة مراكز ارشاد اسرية في النجف وبغداد وكركوك والبصرة والناصرية وكان لها الاثر البالغ في الارشاد الاسري تعريف المرأة بحقوقها وضماناتها القانونية المتوفرة في ظل القوانين النافذة ومن اجل ان تحيا وتعيش بكرامة وعز واعتبار وعدم الاستهانة او التقليل من انسانيتها و ادميتها….فهي الاخت والام والزوجة والصديقة.
المحامي والناشط المدني محمد عبد الرضا المحنه
جمعية الامل العراقية/مكتب النجف